فصل: ما وقع من أحداث سنة تسع وثلاثين وسبعمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء (نسخة منقحة)



.ما وقع من أحداث سنة تسع وثلاثين وسبعمائة:

ثم دخلت سنة تسع وثلاثين وسبعمائة:
فيها في المحرم، توفي بمصر شيخنا قاضي القضاة فخر الدين عثمان بن زين الدين علي بن عثمان، المعروف بابن خطيب جبرين، قاضي حلب، وابنه كمال الدين محمد، وذلك أن الشناعات كثرت عليه، فطلبه السلطان على البريد إليه، فحضر عنده، وقد طار لبه، وخرج وقد انقطع قلبه، وتمرض بمصر مدة، وأراحه الله بالموت من تلك الشدة، وحسب المنايا أن يكنّ أمانياً.
ولقد كان رحمه الله فاضلاً في الفقه والأصول، والنحو والتصريف، والقراءات، مشاركاً في المنطق والبيان، وغيرهما، وله الشرح الشامل الصغير، ويدل حله إياه على ذكاء مفرط، وله شرح مختصر ابن الحاجب في الأصول، وشرح البديع لابن الساعاتي في الأصول أيضاً، وفرائض نظم، وفرائض نثر، ومجموع صغير في اللغة، وغير ذلك، كان رحمه الله سريع الغضب، سريع الرضا، كثير الذكر لله تعالى.قلت:
من هو فخر الدين عثمان في ** مراحم الله وإحسانه

مات غريباً خائفاً نازحاً ** عن أنس أهليه وأوطانه

وبعض هذي فيه ما يرتجى ** له به رحمة ديّانه

فقل لشانيه ترفق ففي ** شانك ما يغنيك عن شانه

ورأيت مكتوباً بخطه هذه الكلمات، وكنت سمعتها من لفظه قبل ذلك، وهي: الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد، والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع، ومحو الأسباب أن تكون أسباباً نقص في العقل، فمن جعل السبب موجباً فقد أخطأ، ومن محاه ولم يجعل له أثراً فقد أخطأ، ومن جعل السبب سبباً والمسبب هو الفاعل فقد أصاب. ومولده رحمه الله بمصر في العشر الأواخر من شهر ربيع الأول، سنة اثنتين وستين وستمائة.
وفيها في العشر الأوسط من ربيع الآخر، توفي السيد الشريف بدر الدين محمد بن زهرة الحسيني، نقيب الأشراف، وكيل بيت المال بحلب، ومن الاتفاق أنه مات يوم ورود الخبر بعزل ملك الأمراء علاء الدين الطنبغا عن نيابة حلب، وكان بينهما شحناء في الباطن. قلت:
قد كان كل منهما ** يرجو شفا أضغانه

فصاركل واحد ** مشتغلاً بشانه

كان السيد، رحمه الله، حسن الشكل، وافر النعمة، معظماً عند الناس، شهماً ذكياً. وجده الشريف أبو إبراهيم، هو ممدوح أبي العلاء المعري، كتب إلى أبي العلاء القصيدة التي أولها:
غير مستحسن وصال الغواني ** بعد ستين حجة وثمان

ومنها:
كل علم مفرق في البرايا ** جمعته معرة النعمان

فأجابه أبو العلاء بالقصيدة التي أولها:
عللاني فإن بيض الأماني ** فنيت والظلام ليس يفاني

أو منها:
يا أبا إبراهيم قصر عنك ال ** شعر لما وصفت بالقرآن

وفيها في العشر الأول من جمادى الأولى، قدم الأمير سيف الدين طرغاي إلى حلب نائباً بها، وسر الناس بقدومه، وأظهروا الزينة، وصحبته القاضي شهاب الدين أحمد بن القطب، كاتب السر، مكان تاج الدين ابن الزين خضر، المتوجه إلى مصر صحبة الأمير علاء الدين الطنبغا، وكان رنك المنفصل جوكانين، ورنك المتصل خونجا، فقال بعض الناس في ذلك:
كم أتى الدهر بطرد ** وبعكس وببدع

راح عنا رنك ضرب ** وأتانا رنك بلع

وفيها في السابع والعشرين من جمادى الأولى، ورد الخبر إلى حلب بوفاة قاضي القضاة جلال الدين محمد بن عبد الرحمن القزويني، قاضي دمشق، بها كان رحمه الله إمام في علم المعاني والبيان له فيه مصنفات جامعة متقنة، وله يد في الأصولين، ويحل الحاوي، وكان كبير القدر، واسع الصدر، ولي أولاً خطابة دمشق، ثم قضاءها، ثم قضاء مصر، ثم قضاء دمشق حتى مات بها، سامحه الله تعالى.
وبلغني أن بينه وبين الإمام الرافعي قرابة، وقرب العهد بسيرته يغني عن الإطالة، وبنى على النيل دارا قيل بما يزيد على ألف الف درهم، فأخذت منه، ثم أخرج إلى دمشق قاضياً كما تقدم.
وفيها في جمادى الآخرة، ورد الخبر إلى حلب بوفاة الشيخ بدر الدين أبي اليسر محمد ابن القاضي عز الدين محمد ابن الصائغ الدمشقي بها، كان نفعنا الله به، عالماً فاضلاً متقللاً من الدنيا، زاهداً، جاءته الخلعة والتقليد بقضاء دمشق، امتنع أتم امتناع، واستعفى بصدق إلى أن أعفي، فمن يومئذ حسن ظن الناس به، وفطن أهل القلم وأهل السيف لجلالة قدره. قلت:
ما قضاء الشام إلا شرف ** ولمن يتركه أعلى شرف

يا أبا اليسر لقد أذكرنا ** فعلك المشكور أفعال السلف

وفيه ورد الخبر أن الأمير علاء الدين الطنبغا وصل من مصر إلى غزة نائباً بها، سبحان من يرفع ويضع الإله الخالق والآمر.
جرت بينه وبين نائب الشام الأمير سيف الدين تنكز شحناء، اقتضت نقلته من حلب، وتوليته بعدها غزة، فإن نائب الشام متمكن عند السلطان رفيع المنزلة.
وفيها في أوائل رجب، توفي بمعرة النعمان ابن شيخنا العابد إبراهيم بن عيسى بن عبد السلام، كان من عباد الأمة، ويعرف الشاطبية والقراءات، وله يد طولى في التفسير، وزهادته مشهورة، كان أولاً يحترف بالنساجة، ثم تركها وأقبل على العبادة والصيام والقيام، ونسخ كتب الرقائق وغيرها، فأكثر ووقف كتبه على زوايا وأماكن، وهو من أصحاب الشيخ القدوة مهنا الفوعي، نفعنا الله ببركتهما، وكان داعياً إلى السنة بتلك البلاد، وتوفي بعده بأيام، الشرف حسين بن داود بن يعقوب الفوعي، بالفوعة، وكان داعياً إلى التشيع بتلك البلاد. قلت:
وقام لنصر مذهبه عظيماً ** وحدد ظفره وأطال نابه

تبارك من أراح الدين منه ** وخلص منه أعراض الصحابه

وفيه ورد الخبر بوفاة الشيخ شهاب الدين أحمد بن عبد الله، المعروف بابن المهاجر الحنفي بحماة، نائباً عن قاضيها جمال الدين عبد الله بن العديم، حسبما تقدم ذكره، كان فاضلاً في النحو والعروض، وله نظم حسن، ولهج في آخر وقته بمدائح الرسول صلى الله عليه وسلم.
وفيه ورد الخبر إلى حلب أن الشيخ تقي الدين علي بن السبكي تولى قضاء القضاة الشافعية بدمشق المحروسة، بعد أن حدث لخطيب بدر الدين محمد ابن القاضي جلال الدين نفسه بذلك، وجزم به، وقبل الهناء، فقال فيه بعض أهل دمشق:
قد سبك السبكي قلب الخطيب ** فعيشه من بعدها ما يطيب

وفيه طلب القاضي جمال الدين سليمان بن ريان على البريد، من حلب إلى دمشق، لمباشرة نظر الجيوش بالشام واستمر بدمشق إلى أن نكب تنكز، كما سيأتي، فعزل بالتاج إسحاق، ثم حضر إلى حلب وأقام بداره بالمقام وفيها في شعبان، قدم الأمير الفاضل صلاح الدين يوسف الدواتدار، شاداً بالمملكة الحلبية.
وفيها في رمضان، ورد الخبر أن الأمير سيف الدين أبا بكر البانيري، باشر النيابة بقلعة الرحبة، وهو الذي كان تولى تجديد عمارة جعبر كما تقدم، فقال فيه بعض الناس:
يا باذلاً في جعبر جهده ** ما خيب السلطان مسعاكا

عوضك الرحبة عن ضيق ما ** قاسيت قد أفرحنا ذاكا

فضاجع البق وناموسها ** ولولا ضجيعاك لزرناكا

وفيه شرع نائب الشام تنكز في الرجوع من متصيده بالمملكة الحلبية، وكان قد حضر إليها من شعبان، ومعه صاحب حماة الملك الأفضل، وحريم وحظايا وحشم وحمام، ولحق الفلاحين والرعية بذلك كلفة وضرر كبير، واجتمع نائب الشام وصاحب حماة على إعادة بذر الدين محمد بن علي، المعروف بابن الحمص، رامي البندق المشهور إلى منزلته من الرماية، بعد أن كان قد أسقط على عادتهم، وأسقطوا من كان أسقطه، واجتمعت أنا بابن الحمص المذكور بحلب، مسألته أن يريني شيئاً من حذقة في البندق، فرمى إلى حائط، فكتب عليه بالبندق ما صورته، محمد بن علي، بخط جيد، ثم أمر غلامه، فصار الغلام يرمي بندقاً إلى الجو، وهو يتلقاه، فيصيبه في سرعة على التوالي، فجاء من ذلك بالعجب العجيب.
وفيه نادى مناد في جامع حلب وأسواقها، وقدامه شاد الوقف، بدر الدين بتليك الأسندمري، من أمراء العشرات، بما صورته معاشر الفقهاء والمدرسين والمؤذنين، وأرباب وظائف الدين، قد برز المرسوم العالي إن كل من انقطع منكم عن وظيفته، وغمز عليه، يستأهل ما يجرى عليه، فانكسرت لذلك قلوب الخاص والعام، وعظم به تألم الأنام، وطهر مشد الوقف المذكور عن بغض وعناد، لأهل العلم والذين، فوقع منه يوم عيد الفطر كلمة قبيحة، أقامت عليه الناس أجمعين، وعقد له بدار العدل يوم العيد مجلس مشهود، وأفتينا بتجديد إسلامه، وعزله، وضربه، وهو ممدود. ونودي عليه في الملأ جزاء وفاقاً، وقطعنا أن لحوم العلماء مسمومة اتفاقاً، ولولا شفاعة الشافعي فيه، لدخل نار مالك بما خرج من فيه، ولو كان براً لما خاض هذا البحر، ولجمع قلبه ومذبحه بين الفطر والنحر، وبالجملة فقد ذاق مرارة القهر والقسر، فإن نداءه الذي انكسر به القلب انقلب به الكسر.
وفيها في تاسع شوال، وصل إلى حلب قاضي القضاة زين الدين عمر بن شرف الدين محمد بن البلقيائي المصري الشافعي، وباشر الحكم من يومه، وخرج النائب والأكابر لتلقيه، وسر به الناس لما سمعوا من ديانته، بعد شغور المنصب نحو عشرة أشهر من حاكم شافعي.
وفيها حج الأمير سيف الدين بشتك الناصري من مصر، وأنفق في الحج أموالاً عظيمة، وكان صحبته على ما بلغنا، ستمائة راوية، تكلم الناس في القبض عليه عند عوده بمدينة الكرك، فما أمكن ذلك، ودخل مصر وصعد القلعة، فتلقاه السلطان بالحسنى.

.ما وقع من أحداث سنة أربعين وسبعمائة:

ثم دخلت سنة أربعين وسبعمائة:
فيها في المحرم، ورد الخبر بوفاة الشيخ علم الدين أبي محمد القاسم بن محمد بن يوسف البرزالي، المحدث الدمشقي، بخليص، مريداً للحج، رحمه الله تعالى، كان حسن الأخلاق، كثير الموافاة للناس، محبوباً إليهم، وله تصانيف في الحديث والتاريخ، والشروط، وكان حسن الأداء، كثير البكاء. في حال قراءة الحديث، فصيحاً، رحمه الله تعالى.
وفيها في المحرم، بلغنا شنق ابن المؤيد شرف الدين أبي بكر الواعظ المحتسب، نائب الوكالة باللاذقية، خافوا بطرابلس من طول لسانه، واتصاله بأعيان المصريين، وقامت عليه بينة بألفاظ تقتضي انحلال العقيدة، فحملوا عبد العزيز المالكي قاضي القدموس على الحكم بقتله، وشارك في واقعته القاضي جلال الدين عبد الحق المالكي، قاضي اللاذقية، فتعب القاضيان بجريرته وقاسيا شدائد.
وفيها في صفر، وردت البشارة بقبض الملك الناصر على النشو شرف الدين، القبطي الأصل، وأنه وأخاه رزق الله تحت العقوبة، ثم قتل أخوه نفسه، وأوقدت لهلاكهما الشموع بالقاهرة، كان النشو قد قهر أهل القاهرة، وبالغ في الطرح والمصادرة، فعظمت به المصيبة، وقتل خلقاً تحت العقوبة، فأتى الناس في هلاكه بيوت المسألة من أبوابها، وبنت الأوتاد نظم الدعوات على أسبابها، وطلبوا لبحر ظلمه المديد من الله خبناً وبتراً، فدارت الدوائر عليه بهذه الفاصلة الكبرى. قلت:
النشو لا عدل ولا معرفه ** قد آن للأقدار أن تصرفه

من أتلف الناس وأموالهم ** يحق للسلطان أن يتلفه

وفيه قدم الأمير المكاس الغشوم- لؤلؤ القندشي- إلى حلب، منفياً من مصر بلا إقطاع. وفيه عزل قاضي القضاة بحلب زين الدين عمر البلفيائي عنها، لوحشة جرت بينه وبين طرغاي نائب حلب، فكاتب فيه فعزل، وهو فقيه كبير مقتصد في المأكل والملبس. قلت:
كان والله عفيفاً نزهاً ** وله عرض عريض ما اتهم

وهو لا يدري مداراة الورى ** ومداراة الهوى أمر مهم

وفيها في ربيع الأول، غزل الأمير صلاح الدين يوسف بن الأسعد الدواتدار، عن الشد على المال، والوقف بحلب، ونقل إلى طرابلس، فضاق طرغاي من جبرته، فعمل عليه، وكان قد عزم على تحرير الأوقاف بحلب، فما قدر قلت:
لقد قالت لنا حلب مقالاً ** وقد عزم المشد على الرواح

إذا عم الفساد جميع وقفي ** فكيف أكون قابلة الصلاح

وفيها في جمادى الآخرة ولي القاضي برهان الدين إبراهيم بن خليل بن إبراهيم الرسعني قضاء الشافعية بحلب، بذل لطرغاي نائبها مالاً، فكاتب في ولايته، وهو أول من بذل في زماننا على القضاء بحلب، وكان القضاة قبله يخطبون ويعطون من بيت المال، حتى بلوا، ولذلك لم يصادف راحة في ولايته، ويعجبني قول القائل:
فلان لا تحزن إذا ** نكبت واعرف السبب

فما تولى حاكم ** بفضة إلا ذهب

وفيها توفي طقتمر الخازن نائب قلعة حلب، كانت تصدر منه في الدين ألفاظ منكرة، واشترى قبل وفاته داراً عند مدرسة الشاذبخت، وعمل فيها تصاوير، وكثر الطعن عليه بسببها. قلت:
ما حل فيها زحل ** إلا لنحس المشتري

فانعدمت صورته ** من شؤم تلك الصور

وخلف مالاً طائلاً.
وفيها في شعبان، توفي الخليفة أبو الربيع سليمان المستكفي بالله، في قوص، وقد أخرج إلى الصعيد سنة ثمان وثلاثين، وخلافته تسع وثلاثون سنة؛ ولله قولي على لسانه: مثلي يعيش بالموت، ويبلغ المنى بالفوت، إلى كم لهم العيشة الرطبة، ولي مجرد الخطبة، فلهم الملك الصريح، ولسليمان الريح:
أحمد الله الذي جنبني ** كلف الملك وأمراً صعباً

لم أجد للملك ماء صافياً ** فتيممت صعيداً طيباً

وفيها بعد موت المستكفي، بويع بالخلافة أبو إسحاق إبراهيم ابن أخي المستكفي. وفيها كان الحريق بدمشق، وذهبت فيه أموال ونفوس، واحترقت المنارة الشرقية، والدهشة، وقيسارية القواسين، وتكرر، وأفرت طائفة من النصارى بدمشق بفعله، فصلب تنكز منهم أحد عشر رجلاً، ثم وسطوا بعد أن أخذ منهم ألف ألف درهم، وأسلم ناس منهم، وبيعت بنت الملين بمال كثير، فاشتراها تنكز، وعملت المقامة الدمشقية في هذا المعنى، وسميتها صفو الرحيق، في وصف الحريق. وختمتها بقولي:
وعادت دمشق فوق ما كان حسنها ** وأمست عروساً في جمال مجدد

وقالت لأهل الكفر موتوا بغيظكم ** فما أنا إلا للنبي محمد

ولا تذكروا عندي معابد دينكم ** فما قصبات السبق إلا لمعبد

وفيها في ذي الحجة، باشر القاضي ناصر الدين محمد ابن الصاحب شرف الدين يعقوب، كتابة السر بحلب، وسررنا به.
وفيه قبض على تنكز نائب للشام، وأهلك بمصر.
رسم السلطان لطشتمر حمص أخضر، وكان نائباً بصفد، أن يأتيه من حيث لا يحتسب، ويقبض عليه، ما أشبه تمكنه عند السلطان الملك الناصر إلا بجعفر عند الرشيد، والرشيد أضمر إهلاك جعفر ست سنين حتى قتله، والملك الناصر أضمر إهلاك تنكز عشر سنين وهو يخوله ويعظمه وينعم عليه، وفي قلبه له ما فيه، حتى قبض عليه، وكان تنكز عظيم السطوة، شديد الغضب، قتل خلقاً منهم: عماد الدين إسماعيل بن مزروع الغوعي، نائب فحليس بدمشق، وعلي بن مقلد حاجب العرب، والأمير حمزة رماه بالبندق، ثم أهلكه سراً، وغيرهم. وله بدمشق والقدس وغيرهما آثار حسنة، وأوقاف، وقتل أكثر الكلاب بدمشق، ثم حبس الباقي، وحال بين إناثها وذكورها، ولما استوحش من السلطان، عزم على نكثه من جهة التتر، وأخذ السلطان من أمواله ما يفرق الحصر، زعم بعضهم أنه يقارب مال قارون، وكان قبل ذلك قد تبرم من نقيق الضفادع، فأخرجها من الماء، فقال بعض الناس فيه:
تنكر تنكز بدمشق تيهاً ** وذلك قد يدل على الذهاب

وقالوا للضفادع ألف بشرى ** بميتته فقلت وللكلاب

وتولى دمشق بعده الطنبغا، الحاجب الصالحي، كان تنكز قد سعى عليه حتى نقل من نيابة حلب إلى نيابة غزة، فأورثه الله أرضه ودياره.
وفيها بعد حادثة تنكز، عوقب أمين الملك، عبد الله الصاحب بدمشق، واستصفي ماله، ومات تحت العقوبة، قبطي الأصل، وكان فيه خير وشر، ووزر بمصر ثلاث مرات، وفيه يقول صاحبنا الشيخ جمال الدين ابن نباتة المصري:
لله كم حال امرئ مقتر ** قصيت في القدس بتنفيسه

كم درهم ولى ولكنه ** قد أخذ الأجر على كيسه

وقال فيه أيضاً:
روت عنك أخبار المعالي محاسن ** كفت بلسان الحال عن السن الحمد

فوجهك عن بشر وكفك عن عطا ** وخلقك عن سهل ورأيك عن سعد